عندما تمت الدعوة للنزول إلى الشارع في الجمعة قبل الماضية كان الهدف منها حماية الدستور من تفريغه من محتواه بعد أن تم تأجيل استجواب رئيس الحكومة ناصر المحمد لمدة قد تصل إلى السنة الكاملة حسب رد المحكمة الدستورية، وقتها انقسم الشارع السياسي إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول أيد الفكرة بشكل مباشر، والقسم الثاني رفضها قطعاً، والقسم الثالث هو القسم المشكك بالدعوة والغير واثق من مدى التزام الداعين للتجمع بالهدف المعلن.
شخصياً كنت من الفئة الثالثة لعلمي بأهداف الداعين للتجمع الأساسية، وهي غير خافية على المتابع للوضع السياسي، لكنني فضلت الذهاب للتجمع ومتابعة الوضع بعيني حتى لا أقع ضحية الاعلام الغير حيادي بتاتاً، بل لأحكم بعيني على الوضع.
الصدمة الأولى كانت عندما ارتقى أحد الأشخاص -الملتحين- ماسكاً "الميكرفون" داعياً ناصر المحمد للرحيل! هنا ثبت لي المثل القائل "لا طبنا ولا غدا الشر" ، وبعدها "شرفنا" النائب وليد الطبطبائي بحضوره! مع العلم أن الدعوات المنتشرة في تويتر كانت رافضة لوجود أي نائب في التجمع لإثبات أن التجمع شبابي بحت لا يتحكم به أي طرف آخر.
وقتها أعلنتها صراحة أن جمعة الدستور التي حضرنا من أجلها تم "اختطافها" علناً بعد حضور النائب مسلم البراك، تحولت جمعة الدستور من تجمع لحماية الدستور إلى تجمع داعي لرحيل رئيس الوزراء ناصر المحمد، وهنا تأكدت أن شكوكي كانت في محلها وأن كلام الأخوان الرافضين للتجمع لهذا السبب بالذات كانت صحيحة.
تواجدي في ساحة الصفاة أكد لي مما لا مجال للشك أن الوضع في الساحة "مختطف" ! لأننا جئنا دفاعاً عن دستور 1962 لا من أجل اسقاط الرئيس أو المطالبة بحكومة شعبية ! كنت بانتظار تجمع يقوده "الشباب" إلا أن تدخل النواب جعل مسار التجمع المعلن عنه ينحرف تماماً !
البعض علق على كلامي في تويتر وقتها بأن حماية الدستور يتمثل بالمطالبة برحيل المحمد! عجبي من هكذا فكر وهكذا منطق! من المستغرب أن يتم اختزال كل المشاكل في شخص واحد دون سواه، لا أنكر رغبتي برحيل ناصر المحمد إلا أن الدعوة يجب أن تكون تحت قبة عبدالله السالم ووفق الأطر الدستورية لا من خلال الشارع، فهذا بالأصل تعدي على صلاحيات الأمير ان كان الدستور فعلاً يهمكم والدستور فعلاً يمثل منهجية عملكم !
ثم تمت الدعوة لجمعة أخرى وهي "جمعة الغضب" ، على الرغم من تحفظي على المسمى المستورد من ثورات الآخرين، والذي بالأساس لا يعكس واقعنا، فشتان ما بين أسباب "غضب" الآخرين وسبب "غضبنا"، وبعيداً عن الانقسام الذي حصل بين الفريق الواحد لمكان التجمع ما بين ساحة الصفاة وساحة الإرادة، إلا أن التجمع كان له هدف واحد لا غير وهو الإطاحة بناصر المحمد، حتى أن المتحدثين -النواب طبعاً دون وجود لمتحدث من الشباب- كانت رسالتهم صريحة ورغبتهم واضحة وهو رأس المحمد، ولم يتحدث أحد عن حماية الدستور !!!
ومن الواضح أن عزوف غالبية الكتل النيابية والتيارات السياسية عن المشاركة كانت لهذه الأسباب، فلا يقبل أحد أن يزايد علينا حبنا وولاءنا للكويت وللعقد الأثمن ما بين الشعب والأسرة وهو الدستور، ولا نقبل أن يتسلق المتسلقون لتحقيق مآربهم الشخصية أو مآرب تياراتهم، فوالله لو كانت الدعوة صادقة وحقيقية لحماية الدستور لكانت الجموع غفيرة وشارك فيها مختلف التوجهات السياسية الوطنية.
ختاماً... لازلت أحترم رغبة البعض في التجمع في المكان الذي يريدونه إلا أن فكرة "اختطاف" التجمع من يد الشباب وبروز النواب في الواجهة كأنهم هم المحامين عن الدستور متناسين أن الكثير منهم خالف الدستور في أكثر من موضع يعد أمر مرفوض ولا نقبله، وما حدث من تمزيق لصور النواب الآخرين وصور رئيسي مجلس الوزراء ومجلس الأمة يعد أمر غير حضاري وغير أخلاقي.