2011-07-12

سابقة تاريخية في الاستيلاء على الحكم




جل اهتمامي في الفترة الحالية منصب على قراءة تاريخ نشأة الكويت وحراكها السياسي منذ الأيام الأولى، استوقفتني حادثة دموية وتاريخية في انتقال الحكم للشيخ مبارك بن صباح بن جابر الصباح، وهي قضية درسناها قديماً لكن باقتضاب شديد ولم أقرأ تفاصيل أكثر عنها إلا حديثاً.

ففي قراءتي لتاريخ الكويت في كتب لأمثال المرحومين عبدالعزيز الرشيد ويوسف بن عيسى القناعي وغيرهم ممن نقل عنهم، تتلخص أحداث القصة أنه كان للحاكم الرابع صباح بن جابر الصباح (1859-1866) أربعة أبناء هم: عبدالله، محمد، مبارك وجراح. بعد وفاة والدهم تولى الشيخ عبدالله بن صباح مقاليد الحكم (1866-1892)، فتولى محمد أمور الحضر ومبارك أمور البدو وجراح للأمور المالية. ويعد نمطاً جديداً نسبياً في تاريخ الحكم في الكويت حيث جرى توسيع المشاركة في أمور الحكم إلا أنه اقتصر على أفراد الأسرة الحاكمة، لكن كانت له تبعات سلبية. ففي عهد الحاكم السادس الشيخ محمد بن صباح (1892-1896) استمر نمط الحكم كما كان عليه في حياة شقيقه الشيخ عبدالله إلا أنه أفرز تنافساً كبيراً داخل مؤسسة الحكم وكانت له عواقب تاريخية دموية.

فيذكر التاريخ أنه نظراً للخلافات الكبيرة والعنيفة بين الأشقاء الثلاثة ( الحاكم الشيخ محمد وجراح مع مبارك ) بسبب المطالب المالية التي يطالب بها مبارك أخويه، ترصد لهما ودخل عليهما ليلاً، فقتل محمداً، وقتل مرافقوه جراحاً. وفي صبيحة اليوم التالي جمع مبارك وجهاء الكويت وقال لهم: "قد قضي الأمر"، فصافحوه مبايعين وقد أظهروا له الخضوع والإذعان. وهذا بالتحديد ما يذكره عبدالعزيز الرشيد، بل إنه يضيف عن الشيخ مبارك: "لقد برز وهو يمسح الدموع من عينيه ولا ندري أي دموع، أدموع الفرح والسرور أم دموع الأسى والحزن وقد يكون للسرور دموع كما للأسى".

هذه الحادثة والسابقة التاريخية والدموية في انتقال الحكم والسلطة بين أفراد الأسرة تعد الأخطر على الاطلاق، وأزمة مقتل محمد وجراح على يد شقيقهما مبارك تعد أحد مظاهر غياب آلية تداول السلطة وتنظيمها في تلك الفترة.

ويروي المؤرخون أن الشيخ مبارك كان ميالاً للحروب والإغارة على القبائل في نجد، وقد اتسم عهده بالحكم الفردي والاستبداد في السلطة، ويذكر عبدالعزيز حسين في كتابه (محاضرات عن المجتمع العربي في الكويت) أن الشيخ مبارك كان معتدا بنفسه ومقدرته ولديه طموح إلى الحكم السيطرة والحكم المطلق فانفرد في بالقرار ولم يلجأ لاستشارة ذوي الرأي والوجهاء بل أقصاهم عن مجلس الحاكم الذي كان بمثابة مجلس شورى مصغر، وجعل الحكم حكراً في ذريته.

ومن المستغرب جداً أنه بالرغم من أن أسلوب استيلاء الشيخ مبارك على مقاليد الحكم كان غير مألوفاً بتاتاً في الكويت ومنافياً للأعراف السائدة في قواعد نقل السلطة، إلا أنه لم يواجه أي معارضة شعبية على حكمه، حيث يذكر غانم النجار في كتابه (مدخل للتطور السياسي في الكويت) أنه ترجع أسباب عدم الاعتراض الشعبي بسبب خوفهم من بطش الشيخ مبارك الذي عرف عنه القوة والحزم والشجاعة. ويزيد عليه الرحالة أمين الريحاني في كتابه (نجد وملحقاتها) أنه كان حاد المزاج وشديد البأس وكثير التقلب وفيه شيء من الأسد وأشياء من الحرباء وبدوي الطبع وحضري الذوق وتارة يحب الخصم وطورا يجامله وكان كريما بل كان مسرفاً ونصف عمله سر لا يدركه سواه والنصف الآخر خدعة باهرة.

هناك الكثير من الجوانب في شخصية الشيخ مبارك ذكرها الكثير من المؤرخون والكتاب في مختلف المواضيع المتعلقة بالكويت وتاريخها ونشأتها الحقيقية. لكن ما شدني هنا أنها تعتبر سابقة خطيرة وتاريخية. ويؤكد لنا أن الصراع الحاصل بين أفراد الأسرة حالياً ليس الأول من نوعه وليس الأخطر كما يصفه البعض، فهذه السابقة المتمثلة بقتل مبارك لأخويه هي الأخطر بلا شك، لكن من المهم التشديد على أن صراع الأسرة ليس بالأمر الهين على البلد ومصالحه.

نرجو من الله أن لا تتكرر مثل هذه السابقة الخطيرة وأن يديم نعمة الأمن والأمان في وطننا الغالي ويبعد الشر عنها، كما نتمنى أن تهدأ تلك الصراعات الدائرة بين أبناء الأسرة الحاكمة.